عن الصناعات النسيجية في سوريا

جميعنا سمعنا في يوم من الأيام عن طريق الحرير، ذلك الطريق الذي ربط شرق العالم بغربه وشكّل عصبًا لتجارة ساهمت في بناء الكثير من الحضارات، ولعلّ إطلاق اسم “الحرير” على هذا الطريق يُعطينا لمحة عن مدى أهمية الصناعات النسيجية عامة والحريرية خاصة في تلك الأوقات.

شكّلت سوريا إحدى أهم المحطات في طريق الحرير، لذلك طوّر هذا العديد من الصناعات السورية على مدى العصور، والنسيجية منها خاصةً، فسوريا وقعت تقريبًا في منتصف طريق الحرير مما جعل المنسوجات السورية تحمل الطابعين الغربي والشرقي معًا إضافةً للمسة السورية ليكون المنتج النهائي عبارة عن تحفٍ فنيّةٍ، سيقع المرء في غرامها من النظرة الأولى.

حاضر الصناعات السورية مميّز تماماً مثل ماضيها، وجاء انعكاسًا لنجاح عمره مئات السنوات، وهذا ما سوف تستشعره لو أنك مررت يومًا بإحدى أسواق سوريا الشعبية لترى المنسوجات المزخرفة بشكل غني بالألوان الفاقعة  مثل الأزرق والأصفر والأحمر، والتي غالبًا ما زينتها خطوط ذهبية وفضية اللون. ما جعلها إحدى أهم المقتنيات التي ستشاهدها ليس فقط في كل بيت سوري وإنما ستشاهدها أيضًا في يدي كل سائح دخل سوريا يومًا، ليهديها لأحباءه بعد رجوعه إلى بلده.

الصناعات النسيجية في سوريا من النسيج الحريري إلى النسيج القطني

شكّل الحرير المكوّن الأساسي للمنسوجات السورية لفترة طويلة من الزمن، واشتهرت عدد من تلك المنسوجات مثل الدامسكو والبروكار. ولكن منذ القرن الماضي أخذت زراعة القطن في سورية بالنمو والانتشار، مما ساعد على نمو صناعة الغزل والنسيج القطني. ويعتبر القطن محصولًا استراتيجيًا في سوريا، حيث شارك في وقت من الأوقات أكثر من 20٪ من إجمالي السكان في إنتاجه وتجهيز منتجاته الفرعية. وكانت سوريا تنتج  7٪ من إجمالي إنتاج القطن العالمي.

وبالإضافة إلى  الأقمشة القطنية فهنالك الصوف والنايلون والتي تُعتبر بدورها من أهم المصنوعات السورية، وتتركز صناعة النسيج في حلب ودمشق وحمص وحماة.

الصناعات النسيجية في سوريا بالأرقام

من خلال إحصائيات  2009، ساهمت الصناعات النسيجية بنسبة 27% من صافي الناتج الصناعي غير النفطي في سوريا بحوالي 45% من الصادرات غير النفطية، كما عمل في هذه الصناعات حوالي 30% من إجمالي العاملين في الصناعة بشكل عام، وكان هناك حوالي 24000 منشأة مختلفة الحجم  سُجلّت رسمياً، وعملت في الصناعات النسيجية عدا المنشآت التي عملت بشكل غير نظامي.

تم احتكار صناعة حلج القطن وغزله من قبل القطاع العام  في سورية، في حين سيطر القطاع الخاص على معظم الصناعات النسيجية الأخرى في ظل وجود محدود جدًا للقطاع التعاوني والمشترك،  وبلغ إنتاج القطاع الخاص من المنسوجات القطنية حوالي 35 ألف طن.

ارتفعت قيمة الإنتاج من الصناعات النسيجية في سورية  بتكلفة عوامل الإنتاج من 833 مليون دولار في عام 1995 إلى نحو 2 مليار دولار في عام 2007، كما ازدادت خلال نفس الفترة قيمة صافي الناتج المحلي بكلفة عوامل الإنتاج من 206 مليون دولار في عام 1995 إلى نحو 719 مليون دولار في عام 2007.

الصناعات النسيجية في سوريا بين الماضي والمستقبل

إذا أردنا أن نتكلم عن الماضي، فتدمر أفضل الأمثلة على ذلك، حيث اشتهرت كغيرها من المناطق السورية بالصناعات النسيجية، وخلال الفترة الرومانية كانت بمثابة موقع تجاري أساسي للقوافل من آسيا والهند والصين. واُكتشفت في تدمر واحدة من أكبر مخابئ المنسوجات القديمة، حيث وجد أكثر من 2000 قطعة من القماش الحريري.

أمّا في الحاضر فقد بنت الصناعة على ماضيها الرائع، واستمرت بالازدهار حتّى وقت قريب، حيث ساعد على ذلك عدد من المزايا مثل القوى العاملة الرخيصة، والإمداد المستقر للمواد الخام، والتراكم التقني، وشبكة النقل الجيدة.

لكن جاءت الحرب لتعرقل الصناعة بشكل كبير، فبعد 8  سنوات من الحرب، دُمر عدد كبير من مصانع النسيج، وقُطعت طرق السفر الضرورية لنقل الخيوط والمواد الأخرى إلى النساجين، وتم تشريد العمال.وتقول التقديرات أن 70 في المائة من مصانع النسيج السورية قد أغلقت أو دُمرت بسبب الحرب.

فماذا عن المستقبل؟ دائمًا نأمل بمستقبل أفضل، تعود فيه الصناعات النسيجية السورية إلى وضعها المرموق، وهذا تحدٍ كبير على كل الحرفيين السوريين وأصحاب القرار خوضه، فهل هم قادرون على فعلها؟ هذا ما ستبرهن عنه الأيام القادمة.

ما رأيكم في ماضي وواقع الصناعة النسيجية السورية؟ شاركونا بآرائكم من خلال التعليقات.

اقرأ أيضاً: سريانا .. قصة منظمة تسعى إلى إحياء الصناعات السوريّة التقليديّة

الصابون الحلبي.. عندما يعكس الصابون صورة مدينة تراثيًا وإقتصاديًا