شكّل مصطلح الساعة السويسريّة مرادفًا للدقّة والمتانة والأناقة على مدى عقود طويلة؛ ولذلك أصبحت هذه الساعات الأشهر في العالم، واكتسبت مهنة صناعتها شهرةً ورفعةً، ولم يمتهنها إلّا ذوي الأيدي البارعة والماهرة، ممن اتصفوا بالدقة والتركيز الشديدين، وبسبب ذلك كانت تعدّ صناعة هذه الساعات وصيانتها مكافئةً لصناعة المجوهرات بل تفوقها من حيث الأهمية في بعض الأحيان.

دخلت هذه الساعات السويسريّة السوق السوريّة عن طريق عدد من روّاد الأعمال،  وامتهن هذه المهنة عدد من السوريين وبرعوا بها حدّ التفوّق، ومن أبرزهم نذكر السيّد هاكوب كازانجيان صاحب  الشركة العريقة كازانجيان ووتشز “KAZANJIAN WATCHES”.

تشكّل شركة “كازانجيان ووتشز” في الحقيقة مثالًا حيًّا على الشركات العائليّة المتفوّقة، والتي استطاعت توريث مهنة صعبة وتتطلّب دقة ومهارة شديدين إلى أفرادها جميعًا، مما ساعد الشركة على الاستمرار، بل وحتى الانتشار كما سنرى في السطور القادمة.

تاريخ شركة “كازانجيان ووتشز” … إبداع وُلد من رحم المعاناة

بدأت قصة هذه الشركة مع هجرة عدد كبير من الأرمن إلى الشرق الأوسط بعد  وخاصةً إلى سوريا، حيث الجالية الأرمنية الأكبر في المنطقة. في منتصف القرن العشرين، كانت ابنة أحد الناجين التي تُدعى عايدة  تملك شغفًا تجاه الساعات السويسرية، وترى فيها مستقبلًا ومجدًا كبيرين وكانت تحلم هذه الشابّة بالزواج من صانع ساعات شاب يشاركها شغفها. وما لبثت تلك الشابة أن حققت حلمها وتزوجت من صانع الساعات السيد هاكوب كازانجيان في عام 1975.

لا شك في أنّ هذا الزواج كان له أثر كبير على الشركة وتطوّرها، ولكن تاريخ ميلاد الشركة الفعلي يعود إلى وقت أبكر من ذلك، وبالتحديد إلى العام 1960، وهو العام الذي شهد تأسيس شركة “كازانجيان ووتشز” في مدينة حلب.

بعد تأسيس الشركة وتطوّرها، عملت العائلة جاهدةً لتوسيع أعمالها وإنشاء شبكة من مراكز بيع التجزئة في جميع أنحاء سوريا، ومن هنا أصبحت عائلة كازانجيان واحدة من أكبر الموزّعين لأشهر ماركات الساعات السويسرية في سوريا. ولم تقف الشركة عند الحدود السوريّة بل أصبحت واحدة من أكثر الشركات العائليّة ذات السمعة الطيبة ليس فقط في سوريا بل في البلدان المجاورة واكتسبت شهرةً في كامل الشرق الأوسط.

شركة عائليّة بامتياز … انتقال المهنة من الآباء إلى الأبناء

ورّث كل من السيد هاكوب كازانجيان والسيدة عايدة كازانجيان المهنة لأبنائهما وابنتهما، وخلف ابنهما الأصغر السيّد رافي والده وكان خير استمرار لتجربة والده الناجحة.

عزم  السيّد رافي على نقل التجربة خارج الشرق الأوسط، فكانت الوجهة المثلى هي وطنه الأّم وهذا ما دعاه إلى توسيع نطاق الأنشطة التجارية للعائلة إلى وطنه أرمينيا. حيث انتقل السيّد رافي إلى أرمينيا في 5 آب (أغسطس) عام 2009 وأنشأ فرعاً للشركة في قلب يريفان عاصمة أرمينيا.  كان الفرع عبارة عن متجر رائع للغاية داخل فندق ماريوت أرمينيا الواقع في ساحة الجمهورية، في قلب يريفان، وبالتأكيد حمل المتجر اسم “كازانجيان ووتش” من جديد.

بالإضافة إلى التوسّع في أرمينيا تتطلع الأسرة إلى حاليًا إلى إنشاء مصنع صغير في سويسرا، كما انتقل الابن الأكبر للعائلة إلى كندا وانتقلت ابنة العائلة السيدة مارال كازانجيان  إلى فرنسا لإدارة أعمال العائلة هناك.

السيّد رافي يجمع بين ثنائيّة مهنة صناعة الساعات العريقة ودراسة السياسة

يهتم السيّد رافي بالسياسة كثيرًا إلى جانب اهتمامه بشغفه بالساعات السويسريّة، ويقول أنّه على الأرجح كان سيختار العلوم السياسية كمسار لحياته لولا أنّه ولد في عائلة تمتهن صناعة الساعات وتحترفها، ولكن شغفه بالسياسة لم يتوقف حتّى الآن وقد ساعدت أحداث الربيع العربي على دفعه باتجاه حلمه القديم وهو ما كان تقدم السيّد رافي بطلب للحصول على ماجستير العلوم السياسية والشؤون الدولية في الجامعة الأمريكية المعتمدة في الولايات المتحدة الأمريكية (AUA).

لا يوجد تعارض بين صناعة الساعات ودراسة السياسة بحسب السيّد رافي حيث يقول: “إن قراري في الحصول على درجة أكاديمية لا يؤثر بأي حال من الأحوال على مشاعري التي لا تقهر تجاه الساعات. ربّما لأن مجد صناعة الساعات السويسرية يسري في دمي بالتوازي مع دراستي، ولذلك تمكّنت من مواصلة وتطوير عملي. لقد تمكنت  بسبب جهدي من إنجاز جميع واجباتي الرئيسية بشكل صحيح وفي الوقت المناسب، وبالطبع أتابع أخبار صناعة الساعات بالإضافة إلى الأخبار السياسية على أساس يومي.”

تُعتبر عائلة كازانجيان من أفضل الأمثلة على الشركات العائلية المكافحة، وفي ذات الوقت يُعطينا تاريخ شركة كازانجيان ووتشز لمحة عن صناعة الساعات في سوريا وتفوقها في كثير من الأوقات على ذات الصناعة في كثير من الدول.