يصلُ اللاجئون إلى بلدان اللجوء منهكين، وخاسرين كل شيء بنوه يومًا وبذلوا جهداً هائلاً لإنجازه؛ ولذلك يحتاجون بعد وصولهم وقتًا طويلًا لجمع شتات أنفسهم والاستقرار، ومن ثمّ البدء من جديد بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ ولذلك تكتسب قصص نجاح السوريّن طعمًا آخر، فكيف إذا كان ذلك الطعم هو طعم الشوكولا؟!

نعم طعم الشوكولا، وهو الطعم الذي اكتسبته قصة نجاح عائلة هدد السوريّة التي انتهى بها المطاف في قرية صغيرة في كندا بعد سنوات مرّة عاشوا فيها لاجئين في بلدان مختلفة، ولكن هذا لم يمنعهم من النجاح من خلال بدء شركتهم الخاصة التي تصنع الشوكولا، فتعالوا معنا نتعرف سويةً على هذه القصة الملهمة.

عودة الأمل بعد سنوات عجاف

أسس السيّد عصام هدهد في سوريا شركة صغيرة لإنتاج الشوكولا، واستمرت هذه الشركة على مدى 20 عامًَا  بشحن إنتاجها إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط بالإضافة لدول أخرى مثل اليمن، ولكن كحال الكثير من أبناء سوريا، قامت الحرب بتدمير ما عملوا على إنجازه لسنوات، وتمّ هدم مصنع هدهد للشوكولا مما أجبر العائلة على ترك كل شيء والانتقال إلى لبنان.

وجدت العائلة نفسها في مخيم للاجئين على  مدار ثلاث سنوات و دون أي فرصة أو أمل يُذكر، وتغيّرت حياتهم للأبد و حلموا مرارًا بالعودة إلى الحياة التي أحبوها. لاحت فرصة أمل عندما دعيت العائلة إلى كندا وأصبحوا مواطنين كنديين كاملي الحقوق، وبدأت جزء من أحلامهم بالتحقق. استقرت العائلة فور وصولها إلى كندا أواخر العام 2015 في مدينة انتيغونيش الصغيرة في المقاطعة الواقعة في الشرق الكندي المطلّ على الأطلسي.

وقرّر الأب عصام هدهد أن يعمل في صناعة الشوكولا وهي المهنة التي كان يمارسها في وطنه الأم سوريّا؛ لذلك قامت العائلة وبدعم من مجتمعهم الجديد في انتيغونيش وأهل نوفا سكوتيا بإعادة بناء شركة الشوكولا، وبدأت من جديد بمزاولة العمل الذي تحبه وتتقنه.

شوكولا برسالة سلام

أطلقت العائلة على شركتها الجديدة اسم سلام بواسطة الشوكولا Peace by Chocolate، وهو الاسم الذي يعبر تمامًا عن رسالة الشركة التي تريد توجيهها للجميع وفي مقدمتهم المجتمع الكندي، ومفاد هذه الرسالة أنّ اللاجئين عمومًا والسوريين منهم خاصةً أتوا إلى هذه البلاد مسالمين راغبين بالأمان وبدء حياتهم من جديد بعد أن دمرتها الحرب.

كللت العائلة رسالتها ببادرة طيّبة للغاية، فلم تتأخّر في مدّ يد المساعدة إلى أبناء مدينة فورت ماكموري في مقاطعة البرتا التي نزح 80 بالمئة من سكّانها عنها يوم اجتاحتها حرائق الغابات في شهر أيّار مايو الفائت 2016.

وتبرّعت العائلة بأرباحها التي جنتها من بيع  الشوكولا خلال شهر أيّار مايو للصليب الأحمر الكندي الذي نظّم حملة تبرّعات لأبناء المدينة. فالعائلة التي عرفت مرارة النزوح تعلم أكثر من غيرها حاجة أولئك الأشخاص إلى المساعدة ويد العون.

احتضان كندي

“شكرا لكم لكونكم مثالًا استثنائيًّا للقوّة والروح القياديّة والالتزام الذي يأتي مع استقدام أشخاص جدد إلى كندا”

كانت هذه  كلمات رئيس الحكومة الكنديّة جاستن ترودو و التي توجه بها إلى عائلة هدد السوريّة أثناء زيارته ولقاءه اثنين من أفراد العائلة في مدينة سيدني في مقاطعة نوفا سكوشا.

إنّ زيارة أعلى قمة الهرم السياسي الكندي للعائلة ما هي إلا دليل على احتضان كندا بكامل أطياف مجتمعها  للقادمين الجدد، وقبولهم رسالة السلام التي بادرت العائلة بها وردوا عليها بالترحيب والمساعدة والدعم منقطع النظير.

الشوكولا تعني السعادة

بجانب كونها رسالة سلام فالشوكولا تعني السعادة، وهو ما دأب الأب عصام هدد على تعليمه لأولاده، ومنهم طارق هدد الذي يشغل منصب المدير التنفيذي للشركة، فالأب يفتخر بكونه يصنّع منتجًا يجلب السعادة لكل من يجربه، فكيف لا ونحن نتحدث عن الشوكولا هنا.

ولذلك تقدم عائلة هدهد اليوم مجموعة من الخدمات والمنتجات للعملاء الذين يبحثون عن الشوكولا اللذيذة الجالبة للسعادة، وتقدّم العائلة الشوكولا بأشكال ونكهات متنوعة  فمن شكل القلب إلى شكل ورقة الشجر رمز دولة كندا إلى الشكل الهرمي. أمّا على صعيد النكهات فتجمع العائلة بين مزيج من الحشوات والمكونات السورية بما في ذلك العسل الطازج والعصائر النقية والمكسرات والفاكهة.

داخل كل منتج من منتجات الشركة ستجدون جودة ودقة، وكل قطعة شوكولا هي عمل فني صغير في حد ذاته يتميّز بالرقي والأناقة،  وكما تقول الشركة: “نحن نشجعك على تجربة الشوكولاتة قريباً – One Peace Won’t Hurt”

نرجوا أن تلهم قصة هذه العائلة الكثيرين لينطلقوا هم كذلك ببناء أحلامهم من جديد، وليأخذوا من القصة رغبةً في نسيان معاناة اللجوء واستبدالها برغبة النجاح علّها تكون قصة جديدة تُضاف إلى مئات القصص الأُخرى.

شاركونا برأيكم في قصة عائلة هدد، وفي حال تذوقتم الشوكولا التي تصنعها حبذا لو تخبرونا بمشاعركم عند تجربتكم إياها.

راجع أيضًا: صناعة المجوهرات السورية.. تاريخ من الأصالة والجمال