النظام البيئي لريادة الأعمال

لا يكاد يوجد أحد اليوم إلّا وسمع بوادي السيليكون أو السيليكون فالي (silicon valley)، تلك المساحة من أرض ولاية كاليفورنيا الأمريكية، حيث تقطن في هذا الوادي أهم الشركات العالمية مثل غوغل وأمازون وغوغل وفيسبوك وإيباي وإنتل وغيرها العشرات لا بل المئات من الشركات الكبرى.

يضم وادي السيليكون، إلى جانب هذه الشركات الكُبرى، آلاف الشركات الناشئة التي وجدت فيه بيئة خصبة للنمو والتطوّر، فما الذي يجعل من هذه المنطقة وجهة محببة لكل من يسعى لتأسيس شركته الناشئة وما العناصر التي تميّزها؟

الجواب يكمن فيما يُسمى بالنظام البيئي لريادة الأعمال، فما هو هذا النظام؟ وهل وادي السيليكون هو المثال الوحيد؟ كل هذا وأكثر في المقال التالي.

مقدمة 

يُعرّف النظام البيئي لريادة الأعمال بأنّه البيئة الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على ريادة الأعمال المحلية أو الإقليمية.

كما أنّ هذا النظام يُشير إلى العناصر -الأفراد أو المنظمات أو المؤسسات- التي تدعم وتُساند روّاد الأعمال وتدعم احتمالات نجاحهم قبل وبعد إطلاق المشروع. 

قد يضم النظام البيئي لريادة الأعمال عدد كبير من العناصر تُدعى بأصحاب مصلحة في ريادة الأعمال، وقد يشمل هذا المصطلح كل من الحكومة والمدارس والجامعات والقطاع الخاص والشركات العائلية والمستثمرين والبنوك ورجال الأعمال والقادة الاجتماعيين ومراكز البحوث وممثلي العمال والطلاب والمحامين والشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات الخاصة ووكالات المعونة الدولية.

أمّا إذا أردنا أمثلة حيّة عن هذه الأنظمة، فالمثال الأبرز هو وادي السيليكون كما ذكرنا سابقًا، إلّا أنّه ليس الوحيد، فعلى مستوى الولايات المتحدة هناك منطقة بوسطن، ونيويورك وشيكاغو وأوستن وسياتل التي شكّلت بدورها بيئات مثالية لبدء ونمو الشركات الناشئة. 

برزت عدة أنظمة بيئية على مستوى العالم كذلك، ففي السنوات الأخيرة، تم تكرار تجربة وادي السيليكون في كل من سنغافورة ولندن وبرلين وعدة مدن في الخليج العربي.

خصائص النظام البيئي لريادة الأعمال

لنفهم أكثر عن خصائص النظام البيئي لريادة الأعمال علينا أن نعود إلى العام 2010 وتحديًا إلى اليوم التي نُشرت فيه مقالة تحت عنوان “كيفية بدء ثورة ريادة الأعمال“، والتي كتبها السيّد دانيال إيزنبرج، الأستاذ في كلية بابسون، في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو.

أسس إيزنبرج بعض القواعد وجمع الخصائص التي تصف هذه الأنظمة التي تميل فيها ريادة الأعمال إلى الازدهار. كما اقترح بالاستناد إلى أمثلة من جميع أنحاء العالم أنّ  رواد الأعمال يكونون أكثر نجاحًا إذا ملكوا إمكانية الوصول إلى الموارد البشرية والمالية والمهنية التي يحتاجون إليها وإذا عملوا 

في بيئة تشجع فيها السياسات الحكومية رواد الأعمال وتحميهم. 

على العموم فإنّ النظام البيئي لريادة الأعمال يشمل عدد من المجالات وهي: السياسة، والتمويل، والثقافة، والدعم المؤسسي، والكوادر البشريّة، والأسواق. ويمكن أن تضم هذه المجالات مواضيع متنوعة ومتشعبة كالآتي:

السياسة

تغطي اللوائح الحكومية والدعم الحكومي.

التمويل

يشمل الطيف الكامل للخدمات المالية المتاحة لأصحاب المشاريع.

الثقافة

تغطي المعايير الاجتماعية وقصص النجاح التي تساعد على إلهام الناس ليصبحوا روّاد أعمال.

الدعم المؤسسي

يشمل المؤسسات غير الحكومية والبنية التحتية ودعم المحترفين مثل المصرفيين الاستثماريين والخبراء التقنيين والمستشارين.

الأسواق

تغطي شبكات الريادة والعملاء.

الكوادر البشرية

يشمل نظام التعليم ومستوى مهارة القوى العاملة.

العناصر الأساسية في النظام البيئي لريادة الأعمال

النظام البيئي السليم لريادة الأعمال

ككل الأنظمة قد يكون النظام البيئي لريادة الأعمال سليمًا و ربما لا، لذلك سنعرض عليكم أهم الشروط الواجب توفرها حتّى نصف نظام ما بأنّه سليم، وهذه الشروط هي: 

* أن يكون النظام مصمم بما يتوافق مع المنطقة، فالنظام في الولايات المتحدة يختلف عن ألمانيا، وفي آسيا يختلف عن الخليج العربي، وعلى النظام أن لا يسعى ليكون “وادي السيليكون القادم”، بل عليه أن ينبع من البيئة المحيطة ويتصف بما يميّزها.
* أن تكون البيئة ذات عقبات بيروقراطية قليلة أو معدومة، وأن تدعم السياسات الحكومية احتياجات أصحاب المشاريع وروّاد الأعمال.
* أن يحصل على دعم رؤوس الأموال الكبيرة والمخاطرة، وأن يحصل 1لك دون وجود عوائق كبيرة.
* أن تكون البيئة خالية من التحيزات الثقافية ضد الفشل في إدارة الأعمال، أو قادرة على تغيير هذه التحيزات في حال وجودها.
* أن تكون البيئة داعمة ومعززة للنجاحات، والتي بدورها تجذب مشاريع جديدة.
* أن تدعم البيئة الحوار بين مختلف أصحاب المصلحة (سبق وأن ذكرناهم) في ريادة الأعمال.

إقرأ أيضًا: مقدمة في خطة العمل (Business Plan)

النظام البيئي لريادة الأعمال يجب  أن يكون فريدًا

هو الشرط الأول لنجاح هذا النظام كما رأينا في الفقرة السابقة ولكن الأمر مهم للغاية لذلك سنخصص للأمر المزيد من الأسطر لنشرح مزيد من التفاصيل الهامة.

على الرغم من أنه يمكن وصف أي نظام بيئي لريادة الأعمال في أي مجتمع باستخدام المجالات الستة نفسها التي تكلمنا عنها، ولكن وبالرغم من ذلك فإنّ كل نظام بيئي هو نتاج لمئات العناصر التي تتفاعل بطرق معقدة للغاية وذات طابع خصوصي. 

فعلى سبيل المثال، تطوّر النظام البيئي  لأيرلندا في الثمانينات في سياق التعليم المجاني، واللغة الإنجليزية الأصلية، والشركات متعددة الجنسيات الأجنبية، وقربها من السوق الأوروبية. أمّا النظام البيئي لريادة الأعمال في تايوان فتطوّر في التسعينيات في سياق تراكم هائل من المغتربين التايوانيين الناجحين للغاية في الولايات المتحدة. 

على صعيد آخر يتطوّر النظام البيئي لريادة الأعمال في الصين الآن في سياق سياسات إقليمية متنوعة ونظام سياسي شمولي إلى حد ما.

وهكذا فإنّ تتبع كل نظام بيئي سيبيّن السياق الذي سبب تطوّره وماهية العوامل الأساسية التي تفاعلت وكان هذا التطوّر نتيجة لها.

إقرأ أيضًا: أهم 10 حاضنات الأعمال في الوطن العربي


أصبحت أغلب النُظم البيئية اليوم مستقرة ومكتفية ذاتيًا؛ حيث يعزز النجاح المجالات الستة للنظام البيئي لريادة الأعمال، وهو ما يحضر الشروط المناسبة لنجاحات أُخرى، وهكذا دواليك. فنصل إلى نقطة يمكن أن تنخفض عندها مشاركة الحكومة والعديد من العوامل الخارجية الأُخرى بدرجة كبيرة.

 وبالتالي وبمجرد أن تكون المجالات الستة قوية بما فيه الكفاية، فإنها تعزز بعضها بعضًا، ولا يتعين على القادة الاستثمار كثيرًا للحفاظ عليها.

هذه كانت مقدمة خصصناها لشرح مفهوم مُتداول اليوم بصورة كبيرة، فإذا كنتم تملكون أي معلومات أو آراء يمكنها أن تغني المقالة فلا تترددوا رجاءً مشاركتنا إياها لنستفيد جميعًا، وعلى العموم سنضيف مقالات أُخرى ستوضح بعض المفاهيم التي ذُكرت في المقالة.