شكّلت الصناعات التراثية السورية مصدر فخر لنا كسوريين، وتفوقنا بها وانتشرت في الأسواق الشعبيّة والمعارض العالمية على حد سواء، وأصبحت علامة يحملها السائح يُخبر بها الجميع أنّه زار أحد أسواق سوريا الشعبية في يوم من الأيام. إلّا أنّ قدوم الحرب أثّر بشكل كبير على تلك الصناعات وقد تراجعت بسبب قلة الطلب وانتشار الحرفيين في كل أصقاع الأرض.

لكن ما يدعو إلى التفاؤل أنّ أسرار هذه الصناعات مخزّنة ومحفورة كبذرة في قلوب وعقول أصحابها، وبالتالي يُمكن بكل بساطة أن يُعاد زرعها في أرضٍ جديدة لتعاود النمو وتُبهر كل من يراها، ولأنّ كثير من الحرفيين انتهى بهم المطاف في الولايات المتحدة، وهم بحاجة للدعم حتى يعاودوا ممارسة مهنتهم، جاءت فكرة منظمة سريانا وقام مؤسسها مجد الغطريف بكتابة الأحرف الأولى في قصة نجاح رائعة للغاية، فمن هو مجد وما هي قصة سريانا؟؟

مجد الغطريف من دراسة الطب إلى حمل هموم مجتمعه

مجد الغطريف هو أحد السوريين المؤمنين بمسئوليتهم لبناء مستقبل أفضل للسوريين واضعاً لنفسه هدفًا ومهمة تتمثل في المساعدة في تحسين حياة السوريين المحرومين بسبب الحرب التي عصفت ببلادهم.

وُلد مجد في سوريا وانتقل إلى الولايات المتحدة في عام 2007 مع زوجته، أنهى مجد دراسته العليا كطبيب وبدأ العمل كأستاذ مساعد في الطب وباحث في جامعة جونز هوبكنز والمعهد الوطني لأبحاث الشيخوخة. عندما بدأت الحرب في سوريا، أدرك مجد أنه كم المعاناة عند السوريين يفوق ما يمكن أن يقدمه لهم كطبيب…

إثر ذلك قرر مجد وبالتوازي مع مهنته التي تتطلب الجهد الكبير وعائلته التي تنمو بقدوم الطفل الثالث، أن يتحصل على ماجستير في السياسة الدولية من كلية جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة متخصصا في مجال التنمية الاجتماعية وإدارة الصراعات، هادفاً لترجمة المعرفة التي اكتسبها إلى تغيير حقيقي في حياة الناس. وفي تلك اللحظة شهد العالم ولادة مشروع سيريانا.(Syriana)، فما هي سيريانا؟

سريانا .. قصة منظمة تسعى إلى إحياء الصناعات السوريّة التقليديّة

سريانا هي مؤسسة اجتماعية غير ربحية تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها، و تهدف لتسخير التراث الجمعي السوري كعامل يمكن السوريين المهجرين وبني جسورا بين شظايا المجتمع السوري.

من خلال تبني مشاريع صغيرة في سوريا والمغترب، تسعى سيريانا لتمكين الحرفيين السوريين و خاصة المهجّرين من خلال مساعدتهم على التكيّف مع مجتمعاتهم المضيفة الجديدة، ومنحهم الأدوات اللازمة والدعم لوضع خبراتهم ومواهبهم في العمل الذي يستطيعون إتقانه.

إنّ تأثير سيريانا لا يقتصر على العناصر الأساسية لتوفير سبل العيش للحرفيين السوريين، بل هي جهد حثيث يسعى إلى الحفاظ على التراث السوري الغني الذي يجسده هؤلاء الحرفيون، وإنشاء أعمال اجتماعية شاملة ستساعد في إعادة دمج المجتمع السوري على المستوى الشعبي في المجتمع الجديد، وستقوم بالمساعدة كذلك على تخفيف الأضرار المجتمعية للحرب السورية.

وباختصار يُمكن القول إنّ سيريانا تُكرّس جهودها لشفاء الانقسامات المجتمعية العميقة التي سببتها الحرب من خلال دعم الأعمال التراثية السورية المحببة، كما تسعى سيريانا للقيام بمهمتها من خلال استراتيجية تقوم على ثلاث محاور هي:

1. تعزيز التراث السوري الجمعي باعتباره جوهر الهوية السورية ويكون ذلك من خلال الحفاظ على الصناعات التراثية والترويج لها، وبالتأكيد دعم البحث الأكاديمي لفحص بنية المجتمعات السورية وتطوير “نظرية جديدة” لها.

2. تشجيع الشركات المندمجة اجتماعيًا لتمكين السوريين المحرومين من الحقوق أينما وصلت، وبالتالي دمج اللاجئين في اقتصاد المجتمعات المضيفة لهم، وتقديم المشورة للشركات السورية الصغيرة وورش العمل الحرفية، وتأسيس أسواق مستقرة لهذه الشركات في الولايات المتحدة وربما في بلدان أُخرى كذلك.

3. تعزيز الحوار عبر أطياف المجتمع من خلال رعاية جلسات الحوار بين قادة الفكر في المجتمعات المختلفة لتحديد الإمكانيات والحواجز التي تقف ضد الاندماج، وتعميم قيمة إعادة الدمج المجتمعي كوسيلة لتحقيق تطلعات الشعب السوري في الكرامة والاستقرار في حياتهم الجديدة..

شركاء النجاح

بالتعاون مع خلدون شقيق مجد، و رشا عبيد زوجته تم تاسيس مقهى ومعرض سيريانا كمثال لمؤسسة خاصة تقوم بمسؤولية إجتماعية وتجسد أهداف سيريانا الخيرية. من خلال هذا المقهى تم تمكين العديد من السيدات السوريات المهجرات و مساعدتهم على التاقلم مع الحياة المهنية في المغترب وتجاوز عوائق اللغة الثقافة بطريقة منهجية. وبالمثل يسعى المعرض لتمكين حرفيين سوريين في سوريا والمغترب
بخلق سوق للمنتجات التراثية السورية وتقديمها للمجتمع الأمريكي كعنوان لهوية سورية عريقة وحداثية في آن.

إذًا كما رأيتم لسريانا أهداف هامة جدًا على المستوى المجتمعي، والطريقة لتحقيق ذلك ستكون من خلال الأعمال الفنيّة والتراثيّة السورية والتي كانت تجمع أطياف المجتمع السوري فيما مضى فلماذا لا تُعيد جمعهم مرّة أُخرى؟